21/03/2021
قارب العمل في ما يوصف بأنه أكبر مشروع لقطار على مرحلة واحدة على الانتهاء في الرياض مع بدء التشغيل في نهاية هذا العام.
وكان التصور الأصلي لمشروع قطار الرياض والحافلات البالغة تكلفته 27 مليار دولار هو أن يستغرق تطويره أكثر من 25 سنة. ولكن مع تزايد عدد سكان الرياض والطفرة الهائلة في امتلاك السيارات وما تبعها من اختناقات مرورية، رأى مخططو المدينة بأنه يتعين مواجهة هذه القضايا وقرروا إقامة شبكة طموحة للنقل العام في العاصمة السعودية وتنفيذها في مرحلة واحدة.
يتكون مشروع قطار الرياض من ستة مسارات بطول 176 كم وصمم وفق أعلى المعايير التقنية والمواصفات التصميمية مع استخدام عربات تعمل بالنظام الآلي (بدون سائق). وتتكون الشبكة من 85 محطة رئيسية وثانوية، بما في ذلك أربع محطات أيقونية هي مركز الملك عبدالله المالي، والعليا، والمحطة الغربية، وقصر الحكم في قلب المدينة، وسبعة مستودعات، ومراكز للصيانة.
أما شبكة حافلات الرياض فتشتمل على 24 خطًا على مساحة تزيد عن 1900 كم. وتتكامل الشبكتان لتلبية متطلبات التنقل الحالية والمتوقعة للمدينة، مع توفير خدمة نقل عصرية وآمنة وسريعة.
ومن المخطط بدء تشغيل شبكة القطار والحافلات في نهاية 2021، وسوف تساهم شبكة النقل الواسعة في تحويل الرياض إلى واحدة من أكثر المدن الملائمة للعيش في العالم، وهي ركيزة أساسية استراتيجية لرؤية السعودية 2030، حسب ما تقول الهيئة الملكية لمدينة الرياض والتي كانت تعرف سابقًا بهيئة تطوير مدينة الرياض، وتتولى الإشراف على تطوير المشروع.
وفي منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار الذي عقد في الرياض في 27 يناير هذا العام، أعلن فهد الرشيد، الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة الرياض بأنه سوف يبدأ تشغيل أجزاء من قطار الرياض في الربع الثالث من 2021. وسوف يليها المرحلة الأولى من شبكة حافلات الرياض في أوائل العام بعد تشغيل قطار الرياض.
وفي أعقاب الانطلاق المبدئي للعمليات التشغيلية، سيتم توسيع نطاق شبكة الحافلات لتشمل طرح شبكة حافلات النقل السريع، وافتتاح المزيد من مسارات القطار، مع الأخذ في الاعتبار أن العمل بدأ بالفعل في تطوير الخطوط الإضافية وتوسعة الشبكة.
يتولى بناء شبكة قطار الرياض ثلاثة ائتلافات دولية للتصميم والبناء. ويتضمن العقد الذي تم ترسيته في عام 2013 تهيئة الموارد والتكنولوجيا والمواهب سواء من السعودية أو الخارج على نطاق لم يشهده أي مشروع أحادي في البلاد، والذي كان يشكل جزءًا من الحياة اليومية لمدينة الرياض على مدى سبع سنوات.
الائتلافات الثلاثة هي ائتلاف باكس ويكون مسؤولا عن المسار الأول والثاني (قيمة العقد 10?1 مليار دولار)، وائتلاف الرياض نيو موبيليتي للمسار الثالث (قيمة العقد 6?85 مليار دولار)، وائتلاف فاست للمسارات الرابع والخامس والسادس (قيمة العقد 7?9 مليار دولار). ويضم كل ائتلاف العديد من المقاولين المتخصصين في تصميم مشاريع القطارات العصرية وأعمال البناء المختلفة، بما في ذلك حفر الأنفاق، وبناء الجسور، وأعمال السكك، وأنظمة التشغيل والتحكم، والتصميم، وإدارة المشروع، وعربات القطار.
وقد تم اختيار آر إم تي سي لتوفير خدمات إدارة المشروع وإدارة البناء للمسارات الأول والثاني والثالث (الحزمة الأولى والثانية) من المشروع، بينما ستكون شركة أعمال تنفيذ وتسليم مشروع قطار الرياض (رامبيد) المسؤولة عن خدمات إدارة المشروع وإدارة البناء للمسارات الرابع والخامس والسادس (الحزمة الثالثة).
وقد شهدت أعمال الحزمة الأولى من برنامج إدارة المشروع وإدارة البناء تقدمًا ملموسًا، حسب ما يقول ألكسندر جونارد، مدير الحزمة الأولى في آر إم تي سي.
كما تقدمت أعمال الممر العليا-البطحة على المسار الأول بخطوات متسارعة من الانتهاء من التصميم إلى استكمال الممر وفتحه للحركة المرورية مع استكمال تطوير 47 كم من الطرق في نهاية 2020. كما وصلت أيضًا جميع عربات قطارات سيمنس أنسبيرو البالغ عددها 67 عربة (41 قطارًا من أربع عربات للمسار الأول)، و26 بعربتين للمسار الثاني) إلى الرياض، حيث سيتم اختبارهم وتشغيلهم تجريبيًا للتأكد من استعدادهم للتشغيل. كما استكمل المسار الثاني أعمال الاختبارات على وضعية أنظمة التشغيل غير المراقبة.
ومن أهم الإنجازات الأخرى التي حققها هذا المشروع توصيل الكهرباء لجميع اللافتات، وتركيب ألواح الأسقف في محطة مركز الملك عبدالله المالي الأيقونية، واستكمال الأعمال الزجاجية، وتركيب ألواح الجبس المقوى بالألياف الزجاجية.
وحقق المسار الثالث البالغ طوله 41?6 كم الأطول على شبكة القطار تقدمًا ملموسًا العام الماضي، كما يقول لوران بانلين، نائب مدير المشروع ومدير الحزمة الثانية في آر إم تي سي. وقد أصبح المسار جاهزًا للتشغيل الكامل من مركز مراقبة العمليات، وخضع للاختبارات على وضعية أنظمة التشغيل غير المراقبة من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي. وتم أيضًا استكمال اختبار قبول النظام الديناميكي للقطارات في العام الماضي، وكذلك تركيب أنظمة النقل، إضافة إلى اختبار وتشغيل 300 قطار بومباردييه إنوفيا مترو من بين إجمالي 47 قطار للمسار.
كما شهدت أعمال تطوير المساحات الخضراء والطرق تقدمًا أيضًا مع رصف 300 ألف متر مربع، وبناء موقف سيارات يسع لنحو 530 سيارة، وتركيب إنترلوك لمساحة 133 ألف متر مربع، لتحسين حركة المشاة وتسهيل الوصول إلى الشبكة. كما تم تركيب نحو 1500 عامود مع إضافة 1700 قطعة أثاث شوارع أيضًا. وحققت الحزمة الثانية 41 مليون ساعة عمل بدون حوادث مضيعة للوقت.
من ناحية أخرى، يتواصل العمل في المستودعات والمحطات والمساحات الخضراء للمسارات الرابع والخامس والسادس التي تشكل الحزمة الثالثة التي تديرها رامبيد. ويوضح كريس جيلمور، مدير البناء بأنه تم تركيب المعدات الأساسية وتجريبها لمستودعات المسارين الرابع والسادس مع تشغيل الخطوط لتسهيل تشغيل المسار الرابع وتعزيز الوقت الزمني المحدد للمسار. كما شهدت أعمال الخط الرابع تقدمًا في محطتي المطار الإضافيتين مع تركيب الجسور الرابطة.
من ناحية أخرى، تم تركيب جميع مظلات مداخل المحطات للمسار الخامس، وهو المسار الوحيد على شبكة قطار الرياض الذي يسير بالكامل تحت الأرض، كما انتهت أعمال التجهيزات المعمارية للمحطات الشمالية على المسار السادس.
وتماشيًا مع المرحلة المتقدمة من المشروع، بدأت أعمال المسطحات الخضراء والزراعة في جميع المسارات الثلاثة في الحزمة، بينما تمت إزالة أكثر من 100 كم من حواجز المرور المؤقتة في نفس الوقت، كما يضيف جيلمور.
وفي إطار التزام المشروع بالسلامة شهدت الحزمة الثالثة إنجاز أكثر من 26مليون ساعة عمل بدون حادثة واحدة مضيعة للوقت كما يقول.
وسيقوم ائتلافان بإنجاز أعمال التشغيل والصيانة للقطار وفق الآتي:
? يدير ائتلاف كامكو المسار الأول والثاني ويضم شركة آر أيه تي بي ديف الفرنسية وشركة سابتكو السعودية.
? يدير ائتلاف فلو المسارات الثالث والرابع والخامس والسادس ويجمع بين شركة فيروفي ديلو ستاتو الإيطالية وشركة هيتاشي اليابانية، وألستوم الفرنسية. ويشارك ائتلاف فلو في العديد من الأنشطة في الموقع استعدادًا لمرحلة اختبار القطارات وخطة التسليم.
من ناحية أخرى، واصل فريق التشغيل والصيانة (أغلبهم من السعوديين) أعمال تهيئة الموقع خلال عام 2020، فضلا عن التدريب في موقع العمل والذي يشمل التعريف بالمعدات، وأنظمة السكك الحديدية، والعربات، وإجراءات السلامة، وقواعد التشغيل، وأنشطة الصيانة.
وتزامنًا مع ذلك، تجري عمليات الاختبارات قبل بدء التجارب المخططة، مع الانتهاء مع جميع الإجراءات المتعلقة بالأطراف ذات الصلة والهيئات المعنية.
المحطات وعربات القطارات
صممت المحطات وعربات القطارات بما يتماشى مع معايير التصميم العالمية لأنظمة السكك الحديدية، مع لمسة متميزة تعكس روح مدينة الرياض. وتساعد التصميمات على تسهيل الحركة بين المحطات وضمان الدخول والخروج من المحطات.
تنقسم العربات إلى ثلاث فئات للسفر هي الذهبي والفردي والعائلي، بينما سيلفت تصميم حافلات الرياض وشبكة القطارات أنظار جميع المستخدمين بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية وجنسياتهم وأسباب السفر. وتتيح عملية قطع التذاكر عبر القنوات الإعلامية للسائح السفر بسهولة واستخدام الشبكة في تنقلاته.
التحديات
لقد فرضت عملية بناء شبكة جديدة للقطارات من الصفر في الأجواء الحارة والترابية والقاسية في مدينة الرياض العديد من التحديات، ولم يكن من المستطاع توقعها مسبقًا، كما يقول فرق عمل إدارة المشروع وإدارة البناء.
ومن بين تلك التحديات التعامل مع الخرسانة في درجات حرارة الصيف، ويتضمن ذلك التأكد من عدم تشقق بعض القطاعات في الأنفاق بسبب السرعة الفائقة التي يجف بها الطابوق خلال عملية التصلب.
ويوضح ليندساي فامبلو، مدير المشروع في رامبيد كيفية التغلب على هذه المشكلة في مقابلة أجريت معه مؤخرًا في إنترناشيونال ريل جورنال: «تم ذلك ببساطة من خلال تغطية قمة الخرسانة بحيث لا تجف بسرعة أيضًا، وبقي الجزء الخارجي رطبًا وأصبحت عملية التصلب بطيئة، مما ساعد على نشر قوى الضغط الداخلي في جميع أنحاء الطابوق.»
ثم ظهر تحدي آخر غير متوقع ويكمن في أن أعمال حفر الأنفاق كانت تسير بشكل جيد إلى الدرجة أن ماكينات حفر الأنفاق وصلت إلى بعض المحطات قبل حفر صندوق المحطة. وقد قررت رامبيد مواصلة حفر الأنفاق وتجاوز الجدول من خلال حفر الصندوق حول النفق.
يوضح فامبلو قائلا: «كان علينا الحفاظ على الحمل على بعض القطاعات تجنبًا للتعطل. وقمنا بتطوير طريقة تتيح لنا تقوية النفق في موقع حفر الصندوق والحفاظ على حمل ثابت في جميع أنحاء الصندوق. وقد أثبت ذلك نجاحه وقمنا بمشاركته مع زملائنا في باكس (الحزمة الأولى) حيث عانوا من نفس المشكلة.»
وواجه كارتر روهان، مدير المشروع في آر إم تي سي نصيبه من التحديات مع الأخذ في الاعتبار بعض المباني التي كان يجب عليه حمايتها خلال عمليات الحفر، مثل القصر الأحمر التاريخي وبعض المباني الأطول في الرياض بامتداد شارع العليا. ومن التحديات التي يفتخر هو وفريق عمله بقدرتهم على مواجهتها هي نقل أحد أكبر محطات المياه الرئيسية في الرياض الواقعة في شرق المدينة والتي تقوم بإمداد 25 بالمائة من سكان المدينة بمياه الشرب. فقد كانت المحطة تمر عبر المسار الثاني في منطقة مكتظة، وقد قدر أن الأمر سوف يستغرق 20 يومًا لاستكمال العمل. ولكن المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة أشارت إلى أن الخزانات الاحتياطية سوف تكفي 10 أيام فقط.
قام فريق العمل بتحليل الوضع وتطبيق عدد من المبادرات الموفرة للوقت مثل تعديل التصميم، وبناء بعض العناصر مسبقًا مثل صناديق الحديد المسلح والوصلات، وتركيب أنابيب تحويل، وتصميم واستخدام أحواض تصريف لجميع المياه. لم يكن ذلك أمرًا عاديًا وحمل الكثير من المخاطر.
«بعد الانتهاء من وضع الدعامات وأنبوب التحويل، بدأنا في أعمال الوصلات مع الفرق العاملة على مدار الساعة،» كما يقول روهان في مقابلة مع إنترناشيونال ريل جورنال. «لقد حققنا نجاحًا كبيرًا وتم استكمال العمل في ستة أيام بدون تعطيل إمدادات المياه للسكان.»
ويتفق كل من روهان وفامبلو بأن التعاون معًا كفريق واحد لإدارة المشروع وأعمال البناء كان أمرًا حاسمًا في تعزيز القدرة على تسليم مشروع بمثل هذا الحجم والتعقيد.
وبينما باتت شبكة القطار والحافلات تشكل جزءًا من نسيج الحياة في الرياض، فإن شركة الإدارة المسؤولة عن الإشراف على التشغيل اليومي والتطوير الاستراتيجي طويل المدى للشبكة سوف تواصل البحث عن الشراكات المناسبة مع الهيئات التجــارية والأطــــراف الثالثة لطـــرح خــــدمــات ذات قيمة مضافة ومزايا جديدة لمستخدمي الشبكة.
لاشك أن بناء شبكة بدأت من الصفر إلى الاختبار الآلي للقطارات في خمس سنوات فقط يعد إنجازًا مبهرًا للغاية. إنها شبكة سوف تغير الطريقة التي ينتقل بها المواطنون، وتمهد الطريق نحو توسعة قطاع النقل الحضري في جميع أنحاء المملكة.